وسط دعوات داخلية لمراجعة شاملة.. كرونولوجيا تُبرز فشل سياسة التصعيد الذي تبنّتها الجزائر في المنطقة منذ تولي تبون وشنقريحة تدبير البلاد

 وسط دعوات داخلية لمراجعة شاملة.. كرونولوجيا تُبرز فشل سياسة التصعيد الذي تبنّتها الجزائر في المنطقة منذ تولي تبون وشنقريحة تدبير البلاد
الصحيفة – محمد سعيد أرباط
الثلاثاء 4 نونبر 2025 - 13:10

منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى قصر المرادية في 2019، وتولي السعيد شنقريحة رئاسة أركان الجيش، اتخذت السياسة الخارجية الجزائرية توجها تصعيديا تجاه محيطها الإقليمي، وبشكل خاص ضد المغرب، في محاولة، قال النظام الجزائري حينها، الهدف منها إعادة الجزائر إلى "وضعها الدولي" الذي كانت تتمتع به سابقا، قبل دخول البلاد مرحلة السبات في العقد الأخير من حكم الراحل بوتفليقة.

غير أن هذا النهج سرعان ما تحول مع مرور السنوات، وفق العديد من القراءات التحليلية، إلى مصدر عزلة دبلوماسية للجزائر، إذ فشلت رهاناتها في تحقيق أي مكاسب ملموسة، سواء في قضية الصحراء أو في دورها بمنطقة الساحل، أو في علاقاتها مع شركائها الأوروبيين.

وتبدو السياسة التي تبناها النظام الجزائري، والمبنية على المواجهة وقطع الجسور، قد بلغت اليوم طريقا مسدودا، في وقت بدأت تتعالى فيه أصوات داخل الجزائر تدعو إلى مراجعة شاملة، ولا سيما بعد "الانتصار الدبلوماسي" الكبير الذي حققه المغرب في مجلس الأمن الدولي في الأيام الأخيرة، بدعمه لمقترح الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء تحت السيادة المغربية، القضية التي كانت -ولازالت- تضعها الجزائر على رأس أولويات سياستها الخارجية.

بدأت أولى مؤشرات التصعيد ضد المغرب في صيف 2021، عندما أعلنت الجزائر في 24 غشت من السنة ذاتها قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، متهمة إياها بممارسة "أعمال عدائية" ضدها، وهو القرار الذي أعقبه في شتنبر من السنة نفسها إغلاق الأجواء الجزائرية أمام الطائرات المغربية المدنية والعسكرية، في خطوة عكست رغبة واضحة في تحويل الخلاف السياسي إلى قطيعة شاملة.

وبرّرت الجزائر هذه الخطوات بما وصفته بـ"التجسس الإلكتروني" و"التحالف المغربي الإسرائيلي ضدها"، ولجأت إلى استعمال خطاب تصيعيدي، كالتلويح بالحرب في أكثر من مناسبة، إلى أن صرح تبون بأن قطع العلاقات مع المغرب "كان بديلا عن الحرب".

ولم يتوقف الخطاب التصعيدي الجزائري عند هذا الحد، ففي مارس 2023، قال تبون في مقابلة إعلامية إن العلاقة مع المغرب بلغت "نقطة اللاعودة"، وهو تصريح أبرز حجم التوتر الذي وصلت إليه العلاقات الثنائية، خاصة من الجانب الجزائري، قبل أن يتأكد لاحقا أن هذا الخيار لم يجلب للجزائر سوى فقدان قنوات الحوار وازدياد نفوذ الرباط على الساحة الدولية، حسب ما أوردته تقارير إعلامية دولية لاحقا.

وواصلت الجزائر لغتها التصعيدية بعد ذلك تُجاه المغرب في قضية الصحراء، لازالت تشهد عليها عشرات البلاغات التي كانت تُصدر وزارة خارجيتها، ولا سيما في ظل مواصلة المغرب حصد المزيد من الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي.

ويُعتبر تبني مجلس الأمن الدولي في 31 أكتوبر 2025 قرارا يدعو لاعتماد مقترح الحكم الذاتي المغربي كأساس لحل النزاع في الصحراء، هو نتيجة مباشرة لفشل سياسة التصعيد التي تبنتها الجزائر في هذا الملف بالخصوص.

لم يقتصر نهج التصعيد الذي تبنته الجزائر في عهد تبون ضد المغرب فقط، بل امتد إلى علاقات الجزائر مع إسبانيا وفرنسا، بعدما حاولت القيادة الجزائرية فرض مواقفها على الدولتين الأوروبيتين بوسائل ضغط دبلوماسية واقتصادية، انتهت جميعها بالفشل.

ففي مارس 2022، قررت الجزائر سحب سفيرها من مدريد، احتجاجا على إعلان الحكومة الإسبانية برئاسة بيدرو سانشيز دعمها الواضح لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، ووصفت الموقف الإسباني بأنه "خيانة تاريخية"، وبعدها بأشهر، علّقت الجزائر اتفاق الصداقة والتعاون بين البلدين وفرضت قيودا اقتصادية على التبادل التجاري، لكن مدريد لم تتراجع عن قرارها، بل رسخت تعاونها مع الرباط بشكل أكبر.

وبالرغم من محاولات الضغط الكثيرة التي قامت بها الجزائر ضد مدريد إلا أنها اضطرت إلى التراجع التدريجي عن القيود التجارية، بعد ضغوط من الاتحاد الأوروبي الذي اعتبر الإجراءات "غير قانونية"، ثم لجأت إلى استئناف العلاقات السياسية والدبلوماسية وتعيين سفير جديد لها في مدريد، بعدما تيقنت باستحالة تغيير إسبانيا موقفها من قضية الصحراء.

ومع فرنسا، أعادت الجزائر تكرار السيناريو ذاته حين قررت في يوليوز 2024 سحب سفيرها من باريس بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعم بلاده لمبادرة الحكم الذاتي المغربية وهو الموقف الذي شكل صفعة قوية للدبلوماسية الجزائرية.

ورغم التهديدات الإعلامية والتصريحات الغاضبة من تبون الذي وصف فرنسا بأنها "تخلت عن التوازن"، فإن باريس تمسكت بموقفها، بل ذهبت أبعد من ذلك، وأعلنت عن إطلاق استثمارات في الصحراء المغربية، وصوتت مؤخرا لصالح القرار الأممي الداعم للحكم الذاتي المغربي، في الوقت الذي لازالت الجزائر تتخبط في التوتر مع باريس.

على الجبهة الجنوبية، لم تكن سياسة التصعيد أقل حدة ، ففي أبريل 2025، أعلن الجيش الجزائري إسقاط طائرة دون طيار تابعة لمالي بعد دخولها الأجواء الجزائرية، وردّت باماكو بغضب، معتبرة الحادث "عملا عدوانيا"، وقدمت شكوى رسمية في محكمة العدل الدولية في شتنبر 2025.

هذا التصعيد العسكري تزامن مع تدهور غير مسبوق في العلاقات الثنائية بين البلدين، بعدما قرر النظام المالي الجديد إنهاء اتفاق السلام الذي كانت ترعاه الجزائر مع الحركات المتمردة في شمال مالي، حيث اعتبرت باماكو أن الجزائر "لم تعد وسيطا نزيها".

ولازالت العلاقات بين البلدين متأزمة إلى الآن، وقد شملت نشوب ما يُشبه "أزمة" بين الجزائر وروسيا، بسبب سياسة الأولى تجاه الوجود العسكري الروسي في مالي ودول الساحل، حيث اختارت الجزائر انتقاد تحركات مجموعات روسية في المنطقة، معتبرة أنها تهدد بزعزعة استقرار المنطقة.

وبالرغم من أن موسكو لم تدخل في "توتر مباشر" مع الجزائر، إلا أن موقفها بالامتناع عن التصويت على القرار الأممي الداعم لمقترح الحكم الذاتي، يُعطي مؤشرات على أن روسيا لم تعد تنظر إلى الجزائر كحليف استراتيجي يُمكن استخدام حق النقض "الفيتو" لصالحه، مثلما سبق أن فعلت فرنسا مرارا لفائدة المغرب.

ومع تراكم هذه الأزمات، بدأت تظهر في الجزائر أصوات داخلية، من شخصيات سياسية وصحفية، تطالب بإنهاء سياسة المواجهة المفتوحة والعودة إلى "دبلوماسية الحوار"، محذرة من أن استمرار التصعيد يهدد بفقدان الجزائر لمكانتها الإقليمية والدولية.

إذ أنه بعد مرور أكثر من خمس سنوات على وصول تبون إلى الحكم، أصبحت حصيلة "دبلوماسية التصعيد" محصورة في مزيد من التوتر مع المغرب، وعلاقات متدهورة مع أوروبا، وخصومات جديدة في إفريقيا، دون أن تحقق البلاد مكسبا واحدا على صعيد القضايا التي رفعتها شعارا لسياستها الخارجية.

ما يجب قوله للإسبان في مدريد؟

في الوقت الذي تعقد فيه الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، اليوم الخميس، بمدريد الدورة الثالثة عشرة من الاجتماع الرفيع المستوى، مع ما يعكس ذلك من تطور كبير في العلاقات الثنائية بين ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...